بقلم: بنصفية عبدالرحمان
من النادر في تدبير الشأن المحلي أن تجد مسؤولاً ترابياً يُراكم الفعل الهادئ بالنتائج الملموسة، ويجمع بين صرامة الإدارة وذكاء الإنصات، دون أن يُغرق الإقليم في فوضى الشعارات أو وهم البرامج المؤجلة. محمد العطفاوي، عامل إقليم الجديدة، ينتمي إلى هذا الصنف من رجال السلطة الذين يدركون أن التجاوب مع انتظارات السكان لا يحتاج إلى خطاب براق، بل إلى نَفَس طويل، وعين يقظة، وضمير إداري يضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار.
منذ أن وطأت قدماه تراب الجديدة، بدا واضحاً أن الرجل جاء بخطة دقيقة، تروم إصلاح ما يمكن إصلاحه في مجال يعتبره كثيرون أصل الداء: البنية التحتية. لم تكن المدينة في وضع يُحسد عليه، فشوارعها متآكلة، وأرصفتها تعاني الإهمال، وأحياؤها الهامشية تئن تحت وطأة التهميش، وكأنها نُسيت من قبل من تعاقبوا على تدبير ملفاتها. لكن، شيئاً فشيئاً، بدأت معالم التغيير تتسرب إلى تفاصيل الحياة اليومية: ورش هنا، تعبيد هناك، إعادة تهيئة محور طرقي هناك، وتدارك لنواقص طال السكوت عنها.
ومن الملفات الشائكة التي لم يتردد في فتحها، ملف البناء العشوائي، الذي استشرى في بعض أطراف المدينة خلال فترات سابقة، بتواطؤ أو بصمت بعض رجال السلطة المحليين آنذاك. لم يكن التصدي لهذه الفوضى العمرانية بالأمر الهيّن، لكنه مضى في معالجته بحزم، مطلقاً حملات هدم وإعادة تنظيم عمراني، في احترام للقانون، وبما يُعيد للمدينة وجهها الحضري اللائق، ويقطع مع ممارسات كانت تشوه المشهد وتضر بثقة المواطنين في الدولة.
ليس من السهل أن تعيد الاعتبار لمدينة مثل الجديدة، مدينة لها حمولة تاريخية وثقافية، لكنها دفعت لسنوات ضريبة الإهمال والتردد في القرار. ما قام به العامل العطفاوي، رغم أنه يتم في صمت إداري لا يبحث عن الأضواء، يعكس وعياً عميقاً بضرورة التأسيس لمقاربة جديدة في تدبير الزمن الترابي. فإعادة تهيئة شارع ليس مجرد صفقة عمومية، بل هو تصحيح لاختلال، وإعلان عن نية صادقة في النهوض بمدينة تستحق أكثر.
اليوم، ونحن نتابع تفعيل مشاريع تهم البنية التحتية لشوارع رئيسية، منها ما يربط بين شارع جبران خليل وشارع طه عبد الرحمان، أو غيرها من الأوراش التي لم تكن لتخرج إلى حيز التنفيذ لولا المتابعة الدقيقة للعامل، نلمس أن هناك إرادة سياسية على مستوى الإقليم، تعمل في تناغم مع باقي الفاعلين، لبناء مدينة حديثة دون أن تفقد طابعها التاريخي أو امتدادها الاجتماعي.
ولا يقف طموح العامل محمد العطفاوي عند حدود ما تحقق فعلاً، بل يمتد إلى مشاريع مستقبلية كبرى تعكس رؤية بعيدة المدى. ومن أبرز هذه المشاريع، إطلاق ورش فتح شارع ضخم يربط المدينة بكورنيشها، في تصميم يُرتقب أن يكون من بين الأضخم على الصعيد الوطني. المشروع، الذي فازت بصفقته إحدى الشركات يوم أمس، يُرتقب أن يُحدث نقلة نوعية في ربط وسط المدينة بواجهتها البحرية، بما يحمله من انعكاسات عمرانية وسياحية واقتصادية.
الجدير بالاهتمام في مسار هذا المسؤول الترابي هو أنه لم يجعل من كرسي السلطة مجالاً للترويج لنفسه، بل فضل أن يجعل أثره يُقاس بما يتحقق على الأرض: بتقارير المراقبة، بتفاعل المصالح، وبإطلاق دينامية جديدة في علاقة المواطن بالإدارة. وهذا، في سياق مغربي يعرف الكثير من الشكوك والانتظارات، يُعدُّ فعلاً سياسياً راقياً وإن كان في شكل إداري.
المدن لا تنهض بالكلام، وإنما بالقرار الصائب في اللحظة الصعبة. ومحمد العطفاوي، من موقعه كعامل على إقليم له وزن اقتصادي وبشري مثل الجديدة، يبدو أنه أدرك جيداً هذه القاعدة. فكل مشروع ينجز اليوم هو لبنة في تصور شامل لإقليم أكثر عدالة من حيث توزيع الخدمات، وأكثر كفاءة في تدبير إمكاناته، وأقرب إلى انتظارات ساكنته.
في المحصلة، نحن أمام تجربة تستحق المتابعة والتقدير، لا لأنها بلغت الكمال، ولكن لأنها تُراكم التغيير بتواضع، وتؤمن بأن التنمية لا تُعلن في الخطابات، بل تُنجز في ورش مفتوح على الشارع، حيث يمر المواطن كل يوم، وينتظر من الدولة أن تتذكره.