بقلم : محمد عزيز الوكيلي
لو أنّ إنساناً عاقلاً خيّروه بين الجنسية الجزائرية ومعها مليون أورو، وبين أن يُنفَى إلى “جزيرة الواقواق”، أو إلى “جبل قاف”، أو إلى أي مكان آخر لا تدور جغرافيته ببال أحد من العالمين، لفضّل الخيار الثاني بكل تأكيد، لأنه، وهو العاقل افتراضاً، سيكون على بيّنة مما ينتظره في تراب يجمعه برئيس مثل عبد المجيد تبون، وفريق أوّل رئيس للأركان مثل غير السعيد شنقريحة، وفوق هذا وذاك، سيجد نفسه وجها لوجه مع رجل صِداميٍّ وعنيفٍ مثل “الرئيس فعلا” دونالد ترامب، في موقف لا يُطيق مواجهتَه إلا المَهابيل!!
لاحظوا معي أن أول ما فعله دونالد ترامب بمجرد استلامه مفاتيح مكتبه البيضاوي، أنه أوفد مسؤولا عسكريا رفيع المستوى إلى كابرانات الجزائر بالذات، ليوحي لنا ذلك أنّ في الأمر “إنَّ”، وأنَّ “إنّ” هذه لها وثيق الصلة بالملفات الأولى التي سيباشر ترامب مهمة تصفيتها حتى يخلو له الجو لممارسة باقي مهامه الشائكة وفي مقدمتها حرائق جهنمية لا تُبقي ولا تَذَر، مما يدل على أن هذا الإجراء باتجاه حكام الجزائر لا يخلو من شديد أهمية… فتعالوا ننظر إلى هذا المُعطى عن قرب!!
أولا: إنّ الرئيس ترامب يضع نصب عينيه مهمة إطفاء نيران الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، ومن خلال هذه الأخيرة بين روسيا وأوروبا الأطلسية، نسبة إلى الناتو، وذلك للتفرغ لما سمّاه في أوّل خطاب رسميٍّ له بتعبير: “الولايات المتحدة أولاً وأخيراً”…
بيد أن للجزائر ذراعاً طويلةً في هذه الجريرة رغم إصابتها بالشلل الكلّي، وتتمثل في استمرار اقتنائها للسلاح الروسي بوتيرة عالية فيها الكثير من العربدة، مما يجعلها تملأ الخزينة الروسية بالغازودولار الجزائري بشكل لا يمكن وصفه إلا بالسفه في أقصى درجاته… وهذا لا يُطيقه ترامب ولا يُجيزه لأنه يعاكس سياسته تجاه عنترية الرئيس بوتين!!
ثانياً: لأمريكا الرئيس ترامب، أكثر من أي وقت مضى، رغبة في توطين أقدامها في القارة السمراء بدءاً ببلدان الساحل والصحراء، لضرب عصفورين بذات الحجر: إفساد الفرصة على كل من الصين وروسيا في الاستحواذ على الأسواق الإفريقية من جهة؛ وترتيب أوراقها الأفروأمريكية من جهة ثانية، بما يمكّنها من قصب السبق في الاستغلال الممنهج لخيرات قارة لا تزال موصوفة بالعذراء رغم كل ما تعرضت له من نهبٍ من لدن أشكال مختلفة من الاستعمار والاستغلال، وخاصة منه الفرنسي والبريطاني، علما بأن كلاًّ من فرنسا والمملكة المتحدة لن تجدا كبير عناء في الانسحاب أمام القادم الأمريكي، والقناعة في أحسن الأحوال بدور الوصيف وراء هذا الأخير، وبنصيب ضئيل من الكعكة الإفريقية بكل قبول ورِضا وتواضع؛
ثالثاً: إن لأمريكا من الآن فصاعداً استثماراتٍ ستَصير متزايدةً ومتناميةً فوق الخريطة المغربية المتكاملة بصحرائيها الجنوبيتيْن، الغربية والشرقية، ومن ثم فمن واجبها حماية تلك الاستثمارات، والمرور رأسا إلى تتويجها بفتح قنصلية في العيون أو الداخلة أو السمارة أو في اثنتين منها أو في ثلاثتها، ومن ثَم وبتحصيل الحاصل، سيترتب عن ذلك أنّ أيَّ مَساسٍ أو تهديدٍ لهذه المناطق سيعتبر تلقائياً بمثابة اعتداء عل المصالح المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية.
هذه النقط الثلاث حصراً، لاشك أنها تكمن وراء إيفاد الرئيس ترامب لمن يمثله ويتحدث باسمه مع عجزة النظام الجزائري، ولم يكن من قبيل الصدفة أن يختار ترامب لهذه المهمة ضابطا ساميا في القوات الأمريكية… “والفاهم يفهم”!!
السي عبد المجيد تبون، وغير السعيد شنقريحة، أمامهما الآن تحد بالغ الصعوبة والامتناع، وبالغ الإيلام والإهانة، ويتمثّل في مُغالَبة نوازع كراهيتهما لكل ما هو مغربي، وتباريح حبهما لكل ما هو صحراوي، والتنازل عن ذلك كله دفعة واحدة حتى لا يغضب منهما الرئيس ترامب، وهما يعلمان حق العلم أنه في آن واحد لن يسمح من الآن فصاعدا بالاستمرار في تمويل الخزينة الروسية؛ ونشر الفتن والقلاقل في الساحل الإفريقي؛ مع الاستمرار في وضع الحصا في حذاء المغرب، والعِصِيّ في عجلاته الإنمائية، بعد أكثر من نصف قرن من المحاولات الفاشلة، والمعارك الخاسرة، ومن الصفعات واللكمات التي صارت بوتيرة يومية غير مسبوقة!!
إنها إذَنْ، أولى تباشير تَخَلّي النظام الجزائري الشائخ والمشلول عن شعاراته الخاوية وغير الواقعية، سواء فيما يتعلق بتقرير مصير الشعب الصحراوي المفترَى عليه، أو فيما يتصل بنصرة فلسطين ظالمة أو مظلومة، علما بأن كل ما استطاع ذلك النظام الكسيح أن يقدمه للقضيتين معاً ليس سوى شعاراتٍ لا تسمن ولا تغني من جوع!!
بالنسبة لنا نحن المغاربة، الصادقِين مع أنفسنا ومع مواقفنا طيلة هذا النصفِ قرن، سيكون علينا، فقط لاغير، أن نبحث في الطريقة المثلى لتشييع الاندحار الجزائري الأخير، بدون تشفٍّ أو تحقيرٍ ولكن، بما تستحقه هذه المرحلة الجديدة من اندفاع إيجابيّ نحو الإنهاء الكلي لما كان في الماضي، ومنذ نيف وستين سنة، يشكّل المعضلةَ الحدوديةَ الحقيقيةَ بين المملكة المغربية الشريفة، وبين الحديقة الفرنسية الخلفية الحاملة تجاوزاً لمسمّى الجزائر!!
ويبقى هناك سؤال منطقي وواقعي لابد له من إجابة لا تقل واقعيةً ومنطقيةً، ألا وهو: ما سيكون عليه دور فرنسا الحامية والمتبنّية إلى غاية زمان الله هذا لجزائرَ لا تزال تنتظر صدور مرسوم “الاستقلال السياسي الحقيقي”، بعد أن ظلت طوالَ نيّفٍ وستين سنةً حاملةً لمرسوم “تقرير المصير” المذيّل بإمضاء الجنرال الداهية شارل ديغول؟!!
__________
* إطار تربوي.