محمد عزيز الوكيلي
كل المغاربة، بل كل أشقاءِ هذا الوطن وأصدقائِه، كانوا في انتظار ما سيأتي به الخطاب الملكي، بمناسة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، من إشارات وإيماءات كالمعتاد، ربما رافقتها تلك الدعوة الملكية الكريمة والمتكررة إلى الجلوس مع جيراننا الشرقيين وجها لوجه، بأيدٍ ممدودة لرأب الصدع، وإذابة جبال الجليد الشاهقة التي تراكمت حمولاتها من الحسرة والأسى والأسف، ومن الدماء أيضاً، على امتداد نحو اثنتين وستين سنة!!
غير إن الذي لم نكن ننتظره، جميعُنا، هو أن يتضمن الخطاب صفعات مباشرة مفاجئة لأعداء وحدتنا التراببة، الذين وصفهم الخطاب الملكي بكونهم “مقيمين خارج التاريخ”، و”خارج عصرهم”، و”متشبثين بمفاهيم عفا عنها الزمن”، تعود إلى ستينات القرن الماضي، وبكونهم يستعملون النزاع المفتعل حول صحرائنا كمطية لقضاء أوطار ضيقة… وكانت الضربة القاضية في إشارة الخطاب بالواضح إلى أن هؤلاء الجيران، وإن لم يسمِّهم بأسمائهم ترفُّعاً، “يتخذون ملف صحرائنا وسيلة إلى مواجهة مشاكلهم ومتاعبهم الداخلية”… وفي هذه الإشارة دعوة لهم واضحة إلى أن الحكمة والمنطق يقتضيان الانشغال بتلك المشاكل ومحاولة حلها بعيدا عنّا وعن صحرائنا، والتوقف عن اتخاذ الصحراء المغربية مشحبا يعلقون عليه فشلهم في تدبير شؤونهم الداخلية!!
بيد أن هذا الخطاب ألقى حجراً آخر أكثر نعومةً ولكنه أشد ثقلا وإحراجاً، حتى لا أقول تعجيزاً، في بركة الجيران الآسنة، حين أشار إلى رغبتهم في الوصول إلى المحيط الأطلسي، فذكّرهم بالمبادرة المغربية الأطلسية، التي استجابت لها دول الساحل الإفريقي، وكأن جلالته يوجه إليهم دعوة ضمنية للانضمام إلى هذا المشروع، وبالأحرى، إلى صرف النظر عن أي حلم آخر قد يُغذّي طمعهم في الوصول إلى المحيط، لأن هذا الحلم لن يتحقق لهم بتاتاً بأي وسيلة أخرى غير تلك المبادرة الأطلسية، المصوغة بهندسة مغربية لا مكان فيها لأي تصدّع أو شَرخٍ يمكن أن يستغله خصوم المغرب “الكلاسيكيون”، كما سمّانا حاكمهم الفعلي “غير السعيد شنقريحة” وهو يُرغي ويُزْبِد في إحدى خطبه الصاخبة والبهلوانية!!
الجميل والعجيب في آن واحد، في هذا الخطاب، أنه تزامن مع فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقصب السبق في ماراطونه الانتخابي، كما تزامن مع رسالة التهنئة التي وجهها إليه جلالة الملك بالمناسبة، والتي ذكّره فيها بالاتزامات المغرببة الأمريكية التي وُضِعت أسُسُها منذ الولاية السابقة لهذا الرئيس، في إشارة إلى استعداد المغرب للدخول بقضية وحدته الترابية إلى مرحلة “اللمسات الأخيرة”، قبل إقفال هذا الملف نهائياً، والمرور بعده بالسرعة والحزم المطلوبَيْن إلى ملفات أخرى مازال المغرب ينتظر موعد تصفيتها، سواء مع الجارة الشرقية ذاتها، أو مع الجار الشمالي، عسى أن تكون عودة ترامب إلى البيت الأبيض ليس فقط فألاً وبِشارةَ خير كما يقول البعض، بل أيضاً فرصةً سانحةً وحاسمةً لدق آخر المسامير في ملف استعادتنا لكل مدننا وصحارينا وثغورنا التي مازالت شرقاً وشمالاً تحت الاحتلال الأجنبي.
وبالعودة إلى الخطاب الملكي السامي، نسجل أن جلالة الملك عَدَلَ هذه المرة عن أسلوب “اليد الممدودة” مستبدلاً إياه بهذه “الصفعات الملكية”، ربما لأنه ضاق ذرعاً بلامسؤولية حكام الجزائر، ونفذ صبره على خستهم ونذالتهم اللتين ظلتا قياسيتين وتجاوزتا كل المعايير، وكذا لأنه ربما تأكّد بأن هؤلاء لا يصلح معهم سوى الصفع والخلخلة والزلزلة!!
ولعمري، فإن هذا الخطاب لابد أن يشكل هذه الليلة في دهاليز الموراديا، أو بالأحرى في الصالات الحمراء بنادي الصنوبر، حيث “الكاس يدور”، أكثر من زلزال أو خضّة عنيفة، بل قد يصل عند بعضهم إلى درجة الإصابة بالأزمة القلبية أو انسداد الشرايين التاجية، إو إلى وقوع حالات نزيف دماغي لا ريب أنه الليلةَ أقرب إلى أولئك العجزة المعربدين من حبال أوردتهم!!
وسيبقى هذا الخطاب، بتلك الصدمات الكهربية التي أرسلها بالواضح الفصيح إلى أدمغة أولئك الجيران، إن كانت لديهم أدمفة، سيبقى علامة فارقة في تعاملنا مع جيران السوء أولئك، لا شك أنها سيكون لها ما بعدها، لأنها ستُخرجهم كالفئران من جحورهم العفنة، وستدفعهم دفعاً مبرحاً إلى النفير والزعيق والنعيق لأنهم لا يملكون سوى ذلك… وسينتظر العالم إلى أي منقلب ينقلبون بعد هذه الصفعات المدوية… كلنا سننتظر!!!
___________
* إطار تربوي.